Thursday, January 21, 2021

صورة وقار خالدة لطيِّب الذكر سليم إبراهيم كناعنة—أبو هشام

رحل مؤخراً إلى جوار ربه صديقي وابن العم، لا بل والأخ القُدوة، السيد سليم إبراهيم كناعنة. وما كان مني إذ زرت عائلة الفقيد المباشرة مُعَزِّياً إلا أن عبرت عن غبطتي بما انجزه الفقيد في سنوات حياته الثمانية والثمانين، وزادني غبطة أنَّ ابنه المحامي أجابني عندما استفسرت عن حيثيات الوفاة بأن المرحوم قد توفي في بيته وبين أفراد عائلته الذين التفوا حوله واحتضنوه بما فيهم الأطباء الأربعة من بين أحفاده. لا أرى أنسب لإحياء ذكرى "ابو هشام" من أن أقتبس ما كنت قد كتبته عنه في مجموعة قصص نشرتها قبل ست سنوات باللغة الإنجليزية بهدف تعريف العالم على قريتنا الجليلية، عرابة البطوف، وعلى مجتمعنا الأوسع، نحن فلسطينيي الداخل بمُجمَل آلامنا وآمالنا وصراعنا من أجل البقاء. هذا وقد قامت الأخت سوسن كردوش قسيس بترجمة هذا الكتاب الى اللغة العربية، كما وأشرف د. مصلح كناعنه على تنقيحه وتعديله لغويا بهدف إصداره بصيغته هذه وبعنوان "الوجع الدفين" عن دار النشر "سند" في الأشهر القريبة. هذا ويتصف أسلوب السرد الذي انتهجتُه أنا في هذا الكتاب بدمج الخيال المبتكر بالواقع الحقيقي بحيث أني أضفت أحيانا بعض الأحداث واستحدثتُ بعض الأقوال من أجل الوصول إلى صورة تليق بموضوع سردي الجاري. ولذا فإن ما أقتبسه هنا حول فقيدنا الموقر، ما هو الا تعبير عن الصورة التي اكتملت في ذهني عن المرحوم، ومن هنا مناسبتها للنشر على الملأ إجلالاً وإكراماً لفقيدنا طيب الذكر "أبو هشام". اليكم بعض المقتطفات من القصة بعنوان "فقدان حاسة السمع": "لا شك أنَّ ابن عمّي سليم هو أحد المسنّين الأرجح عقلاً في قريتنا عرّابة. ولقد تقاعد سليم منذ سنوات، تاركاً منجرته لأبنائه الذين نجحوا منذ ذلك الحين في زيادة عدد المناجر التي يمتلكونها في القرية حتى وصل إلى أربعٍ مناجر، بينما عاد سليم نفسه ليفلح ما تبقّى له من أرضٍ أجداده. وبالرغم من أنّ موضوع فلاحة الأرض لم يكُن يوماً شغلي انا الشاغل كمصدر للرزق، إلّا أن شغف سليم بأرضه والصراع الشاق والمناورات التي بذلها لكي يعتاش منها، تركت في نفسي أعمق الأثر. كما وساهم ما رأيته من نموّ متزايد في علاقة سليم الحميمة مع "أمّنا الأرض" في ازدياد قُربي منه. في بداية تقاعده وممارسته لهذه "الهواية"، وضع سليم خليّة نحل في حقله، معيداً بذلك عادة قديمة أخرى عرفَتها القرية وعلِقتْ في ذاكرته منذ أيام شبابه الأولى عندما كان يفلح الأرض مع والدَيْه الراحلين، وكانت تربية النحل تُعتبر قبل قيام إسرائيل مصدر رزق إضافيّ للفلاح الفلسطيني ضمن الزراعة التقليدية. ولطالما شعر الأقارب والأصدقاء، ومن ضمنهم أنا نفسي، بالامتنان العميق لسليم على الهدايا السخية التي كان يغدقها علينا من ذاك السائل الذهبيّ الشافي من كلّ عِلّة. ولقد اعتاد سليم أن يقوم بكل تلك الأعمال في فترة ما بعد الظهر، بينما خصّص ساعات الصباح لإعداد القهوة وساعات المساء للعب الورق والمنقلة مع من تجمّع في ديوانه من أصدقاء. ومع جدول أعمال مكثّف كهذا، لم يكُن لدى سليم وقت لمراجعة الأطباء. فقبل أن أتقاعد أنا بدوري وأتفرغ للبستنة والكتابة، كان سليم لا يحضر إلى عيادتي إلا كمرافق لزوجته لعلاج ما كان يلمُّ بها من أمراض طفيفة بين الحين والآخر. أمّا بالنسبة له، فقد دأب على تناول ملعقة من العسل وأخرى من زيت الزيتون كل صباح، مُستغنياً بذلك كُلّياً عن الأطباء ونصائحهم. وفي أحد الأيام جاءني سليم ليفحص حاسة سمعه الآخذة بالتراجع، وهو لم يفعل ذلك إلا انصياعاً لإلحاح زوجته. وحين اقترحتُ عليه استشارة أخصائي أنف-أذن-حنجرة، امتعض قائلاً: "إنّ فقدان السمع في عائلتنا هو جزء طبيعيّ من مظاهر الشيخوخة، وبالتالي ليس مرضاً ولا يحتاج إلى توجيهات طبيب." وهكذا عبّر سليم عن رضاه عن الوضع القائم، واحترمتُ أنا قراره. قدّم لي سليم في دفاعه عن نفسه حجّتين؛ الأولى تقول بأن معظم ما يدور على ألسنة أهل القرية هذه الأيام لا يستحق أن يُسمَع، والثانية تقول بأنه حتى وإن سُمِعت أقوال أهل القرية فإنها لا تستحق الإجابة أو التعليق. وهكذا تمكن سليم من تجاهُل معظم ما قيل بذريعة ضعف السمع، متجنّباً بذلك كل ما يمكن أن يعكّر مزاجه. ولقد أتاحت له حاسة السمع الانتقائية هذه فرصة التركيز على لعب الورق دون أن يأخذ تراجعها على محمل الجدّ، مُقارناً نفسه في ذلك بصديق راحل لوالده والذي كان في سنواته الأخيرة لا يسمع إلّا الدعوات لحضور الأفراح، فكان كلما تحدث إليه شخص يسأله بغض النظر عن موضوع الحديث: "عُرس مين اليوم؟" حدَث وأن احتجتُ مؤخرًا إلى التواصل مع شخص ما في "عيلبون" يمكنه أن يساعد مُصوِّراً قادماً لتسجيل فيلم عن المجزرة التي حدثت في تلك القرية عام 1948. وكنت أعلم أنّ لدى سليم ابن عمّي معارف من عائلة "زريق" يمكنني الاستعانة بهم، فهم مَن سَبَقَ وعرّفوه على عائلة كانت قد لجأت إلى عيلبون من قرية "حطّين" القريبة والتي دمّرتها إسرائيل آنذاك، ثم بعد حين أصبحت الصبية ابنة تلك العائلة زوجةً لسليم، وهي التي باتت تحمل كنية "أم هشام". ولذا، وبصفتي طبيب يزور أحد مرضاه السابقين، ذهبتُ يومها لزيارة ابن عمّي سليم بذريعة تقديم مشورة لم يطلبها منّي أحد حول ميزات السَّمّاعة الإلكترونية التي توضع في قناة الأذن، والتي كنت قد بدأت أنا نفسي باستخدامها في ذلك الحين. وفي معرض حديثنا، ذكر لي سليم أنّ سبب لجوء عائلة زوجته إلى عيلبون بالذات يعود لاعتبارات عمليّة، فالقريتان كانتا قريبتين من بعضهما جغرافيّاً، إلى جانب الجيرة الحسنة والعلاقة الطيبة بين عائلتها وعائلة زريق، ووجود كنيسة في عيلبون توفّر الأمان لمن يحتمي بها، فقد أشيع في قرى فلسطين عام 1948 أنّ قوات الهاچاناه (اليهودية) كانت تستثني الكنائس عند مهاجمتها واحتلالها للقرى، وذلك لاعتبارات تتعلّق بعدم إثارة غضب كلّ من الفاتيكان والعالم الغربي المسيحي. ثم علَّق سليم قائلاً: "لم يساعد هذا الأمر في الواقع، ولكن تلك قصه أخرى، وقد يحدّثك أصدقاؤنا من عائلة زريق عن الأمر برمّته." استفسرتُ أكثر عن علاقة سليم بعائلة زريق، فوجدتُ أنني وقعتُ على كنزٍ دفين فيه خليط من الحقيقة والخيال؛ ذكريات نضال شعبيّ جماعيّ ساهَمَ عامل الوقت وإعادة السرد على صياغتها في قالب أسطوريّ متكامل موضوعه النكبة. وأخبرني سليم أنّ ابن قريتنا الذي عرف عائلة زريق جيداً هو "أبو زاهي الخطيب"، فأرسل في طلبه في الحال. وكنتُ – ككلّ البالغين من أهل قريتي – أعرف ذاك الرجل جيّداً، فقد عانى من خلل وراثيّ في عصب السمع كان يحاول جاهداً أن يتجاهله، مُدّعياً في كل مرة "عدم فهم" ما قاله محدّثه وليس "عدم سماعه". ........ "هنا راح محمود يحدّثني عن رفيقه سليم الذي ورث عن والده (ومثله إخوته الخمسة) جسداً قويّ البُنية وحاجبين كثّين، إضافةً إلى العناد والتفرّد بالرأي، وكلّها أمور كنت أعرفها جيّداً عن عمّي، والد سليم. لقد تحدّى سليم الأرستقراطية المحلية بصفته أول سكرتير للخلية الشيوعية في القرية؛ هذا إذا كان اصطلاح "أرستقراطي" ينطبق على فلاحين كانت ملكية مئة دونم من قطع الأرض الصغيرة المبعثرة في مواقع مختلفة من سهل البطّوف الخصب هي الحد الأعلى لما يمكن أن يملكه أي واحد منهم. قاطعنا سليم قائلاً: "مع ذلك، كان بإمكاني رؤية الظلم الاجتماعي والتمييز الطبقي بين من يملك الأرض ومن لا يملكها من أبناء البلد: الأولون يجنون الثمار المحدودة للأرض، والآخرون يخدمونهم." لقد أخذ سليم على عاتقه تحدّي هذه "الطبقة العليا" وتحميلها مسؤولية الإنهاك الذي عانى منه رفاقه العاملون في الأرض، فبادر مع ثلّة منهم إلى إنشاء جمعية تعاونية في القرية، إلا أن تلك الجمعية ما لبثت أن فشلت: "لم نكن معتادين على هذا الأسلوب، ثم أنّ النظام الحاكم حاربنا بشراسة وزُجَّ بنا في السجن بتهم واهية." إنَّ فشَل سليم في إحداث أيّ تأثير سريع وواضح للعيان في المجتمع، هو الذي دفَعَهُ – على ما يبدو – إلى اتّباع سلوك رمزيّ صِداميّ كوسيلة للاحتجاج، وذلك بارتداء الملابس ذات الطابع الغربي والظهور حاسر الرأس، دون الحطّة والعقال. وبسبب جرأته تلك، إن لم يكن لأسباب أخرى، حاز سليم على عداوة معظم كبار السّن من رجال القرية. فكانوا كلّما مرّوا به أشاحوا بوجوههم عنه تعبيراً عن استهجانهم من الهيئة التي ظهر بها. إلا أنَّ هذا الموقف ما لبث أن تغيّر في غضون سنوات قليلة، إذ صرنا انا وشقيقايَ مثلاً نعود إلى قريتنا خلال العطل المدرسيّة، قادمين من مدينة الناصرة التي درسنا في ثانويتها، ونحن نرتدي السراويل القصيرة ورؤوسنا عارية من الحطة والعقال. وكنا نخرج أحياناً إلى الشارع بسراويلنا القصيرة تلك، فيرمينا والدنا بنظرة تحمل بعض العتب، وأحياناً يضطر إلى ردعنا جهراً. ....... "مع تقدمه في العمر، وبمسحة من عناده المألوف، وجّه سليم اهتمامه إلى الأرض في سهل البطّوف، بعيداً عن المناجر الأربعة والأحفاد العديدين. ووصل انشغاله بالعدالة الاجتماعية على نهج ماركس ولينين إلى نهايته حين تراجع اسمه وبرزت أسماء أخرى على الساحة المحلية ممن كانوا يوماً يتتلمذون على يديه (بمن فيهم شقيقه الأصغر الذي قضى عامين في مطلع شبابه في السجن بتهمة قيادة مظاهرة جماهيرية في الناصرة مع الهتاف بعبارة "يحيا جمال عبد الناصر" كما تسعفني ذاكرتي. بعدها قدّم سليم استقالته من الحزب الشيوعي لاسباب تنظيمية، وثم نشأت بينه وبين بعض الأحزاب اليسارية سلسلة من "الرومانسيات" القصيرة قبل أن ينسحب من الحياة السياسية قاطبة. وعلى إثر ذلك صبّ نشاطه في المجتمع المدني، فقاد مجموعة من الفلاحين لإنشاء جمعية غير حكومية شاركت في صيانة الطرق الزراعية ومشاريع استصلاح الأراضي، وهي أمور تحتكرها عادة الحكومة مستثنية منها المزارعين العرب كليّاً. نفذ صبر سليم بعد فترة وجيزة من تركيز الحديث عليه، فقال معترضاً: "اتركوا سيرتي جانباً وابحثوا لكم عن موضوع آخر، فهناك العديدين غيري ممن يستحقّون قدراً لا يقلّ من الاهتمام." "لكنّك كنت انت الزعيم،" قال محمود. "لدى كل فلسطينيّ قصة تستحق أن تُروى. صدقني يا "أبو طيّ"،" ردّ سليم موجّهاً الكلام إليَّ مستخدماً كنيتي على نسق تخاطب الرفاق المتساوين، "بمجرّد أن تخدش السطح ستكتشف كنزاً دفيناً في حياة كل إنسان." وثم قطعة أخرى من القصة بعنوان "بردية": "وكان سليم، ابن عمي إبراهيم وخالتي بيكي، الذي اكتسب في شبابه سمعة سيئة بسبب الزي الغربي الذي كان يرتديه ولخروجه إلى الشارع عاري الرأس، قد عاد في مرحلة متقدّمة من عمره إلى اتّباع إحدى أكثر العادات الاجتماعية التقليدية في القرية: صار لسليم "ديوان" يتردّد عليه في الليل زملاؤه من المزارعين الهواة والمعلمين المتقاعدين. وكان هؤلاء يجتمعون في المساء ويجلسون على فِراش ممدود على الأرض حول طاولة لعبٍ منخفضة كالطَّبليَّة وقد وضعوا الساق على الساق، فيلعبون الورق والنرد والمنقلة في الديوان وهم سارحون شاردو البال، يدخّنون سجائرهم التي لَفّوها باليد ويحتسون القهوة المُنكَّهة بالهيل، ويتبادلون أخبار العالم وشائعات القرية ممزوجةً بالإهانات اللفظية أو الإيماءات النابية الصادرة عن حركة في اليد لإذلال الخصم المهزوم. وفي ليالي الصيف كانت السهرة تقام في شرفة بيت سليم الفسيحة حيث يستمتع الضيوف بالنسيم العليل الذي يهبّ ليلاً من جهة الغرب. أما في الشتاء، فكان الضيوف يلوذون بالغرفة المغلقة التي كانت تتزوّد بالدفء المُنبعث من الطاقة الناتجة عن عنفوان اللعب، ودخان السجائر الملفوفة باليد، والجمرات المتوهّجة تحت إبريق القهوة العربية. في إحدى ليالي شتاء سنة 2010، ألحّ عليّ سؤال جعلني أترك سريري وأذهب لزيارة هذه الزمرة من الرجال، المنسجمة قلباً وقالباً. وما أن رآني اللاعبون في الديوان حتى تخلَّوا عن ألعابهم المختلفة احتراماً لحضوري غير المتوقع، واقترب مني سليم وهو يحمل مَصَبَّ القهوة وفنجان قهوة نظيف، ليس من الفناجين التي اعتاد زوّاره من اللاعبين استخدامها مراراً وتكراراً. وعلى الرغم من طراوة الجو في الخارج ليلتها، قام سليم بدفع درفتيّ النافذة ليفتحها ويتحاشى بذلك سماع محاضرة أخرى منّي عن مخاطر دخان السجائر الكثيف في مكان مغلق. ونهض أخوه توفيق، الذي لا يزال شيوعيّاً نشطاً، تاركاً مجلسه على الأرض لينضم إليّ وقد جلستُ على إحدى كراسي القش العديدة الشاغرة التي صُفّت بمحاذاة الحائط. انتقيتُ كلماتي بعناية وحيطة، فتحدّثتُ عَرَضاً عن الصور المعلقة على الحائط، إلى أن وصلتُ إلى صورة قديمة باهتة لعمّي إبراهيم وهو يمتطي جواده ويحمل بيده بندقية، وعندها، طرحتُ سؤالي: "ألم يشكّل تفاخرُ عمّي إبراهيم بانضمامه علناً إلى الثورة والقوى المعادية للصهيونية أيّ خطر عليه رغم ما عناه ذلك من معارضةٍ واضحةٍ لإرادة نظام الانتداب البريطاني الحاكم؟" وعلى الفور انضمّ سليم إلينا وجلس على إحدى كراسي القش، بينما عدّل الحاضرون، الذين كانوا يجلسون على الأرض بطريقة أشبه بجلسة اليوچا، من جلستهم لمتابعة الحديث الذي سيتمحور حول موضوعٍ جديد في تلك الليلة. أجاب توفيق بصوت عالٍ يصل أصحاب السمع الثقيل ويحمل رنّة حزن على كبرياء جريح: "في تلك الأيام، لم تكُن القرية مليئة بالمخبرين المأجورين كما هو حالها اليوم، ولم يكُن جدار التضامن بين الفلاحين متصدّعاً"، ثم قَهقه عالياً غامزاً بعينه في اتّجاه معلّمَيْن متقاعدَيْن. "الأمريكيون أصهار الدكتور"، رد أحد المعلمين على الإهانة المقصودة، "ولن تنطلي عليه دعاية الشيوعيين." فَرَدَّ سليم، واضعاً حدّاً لهذه المناوشة القصيرة: "يعلمُ الدكتور أنني لا أرحّب بالمُخبرين في ديواني." واسترسل قائلاً: "في تلك الأيام، كان الجميع يعرفون نوايا والدي وغيره من الرجال أمثاله في القرية، لكنّ أحداً لم يَشِ بهم. في الواقع، عندما كان أيّ شخص يعلم بأنّ القوات البريطانية تقترب من عرّابة، كان الخبر يصل إلى ناطور القرية، وكان هذا يصعد إلى أعلى المسجد الوحيد في وسط القرية ليحذّر الجميع بصوتٍ عالٍ ومن على المئذنة مستخدماً كلمات ترمز لما لا يفهم مغزاه إلّا السكان المحليين، كأن يقول: "يا أهل البلد، الواويّات فالتة. كل واحد عنده "شَرْعَة" يخبّيها". لقد تغيّرت الأمور منذ ذلك الحين كما نعلم جميعاً". والشرعة هي الحبل الجلديّ المجدول الذي كان الفلاحون يستعملونه لربط النير المُلقى فوق عنقَي الثَّوْرَيْن المقرونين بالمحراث لِجَرِّهِ، في إشارةٍ إلى أنّ الحيوانات البرية مثل ابن آوى (الواوي) قد تُتلف الشرعة إنْ تُركت الأخيرة في الحقل. أمّا الرسالة السرّية، فترمز الى ضرورة إخفاء الأسلحة نظراً لوصول قوى الأمن الإنجليزية. "تولّى المستعربون مهمة إذلالنا"، قال توفيق، قاصداً أن يشرح لي السياق التاريخي للأحداث. " لقد أعدّوا خطّة مدروسة بإحكام لتحويلنا من مزارعين مستقلين متجذّرين في الأرض التي تسدّ كفافنا، إلى 'حطّابين وسقاة ماء' أذلّاء، وفق الصورة التي أرادوا أن ننتهي إليها." ... "لا يتحدث الجواسيس الأذلاء غير التائبين علانية عن ماضيهم هكذا" قال سليم، محاولاً رأب الصدع والجدل الذي نشأ بين الحضور، وأضاف: "هم أصلاً لا يدخلون إلى ديوان محترم مثل ديواني هذا." لتبقي ذكرى فقيدنا خالدة.

Monday, January 18, 2021

Apartheid is too mild a concept

Apartheid is too mild a concept for the way Israel deals with Palestinians under its control when they show any level of resistance. Three days ago, The Guardian published a daring admission by the director of B’Tselem, the largest human rights organization in Israel, of the Apartheid reality that runs throughout Israel and all of the Palestinian Territories that it occupies. It is the standard way Israel deals with Palestinians whether they are its citizens, its permanent residents as in the case of the East Jerusalem population, or subjects of its military occupation in Gaza and the West Bank. The next day, as if in direct response, an Israeli court slammed the actor and movie director, Mohammad Bakri, with a ban on the showing in Israel of his 2002 film “Jenin, Jenin” and a heavy monetary compensation to a former soldier whose face appears very briefly in the film. Gideon Levy opines that the court does Bakri and the Palestinians a great service. The film and the massacre of Palestinians in the Jenin refugee camp that it documents are too important to be relegated to film archives. Now the film has come alive again and you can see it here. That brought back to me the visit I made to the freshly flattened camp in 2002. In April that year, Israel mounted an alleged reprisal attack against the Palestinian Jenin Refugee Camp resulting in the death of scores of fighters and civilians and the razing of a large area of the camp. Despite much debate, mostly academic in the extreme, both the UN and Human Rights Watch deemed Israel’s actions to be war crimes. Mohammad Bakri’s documentary film, Jenin Jenin, gives a Palestinian perspective on the massacre. It is ironic that the architects who later planned the razed section’s renovation reportedly designed its alleys to accommodate Israeli tanks. Here is an entry I recorded in my book of memoirs, “A Doctor In Galilee” [Pluto Press, London, 2015]: June 7, 2002: How does one relate an incident so it feels in writing as it was in reality? What happened last week on a visit to Jenin Refugee Camp was out of character for me. I exposed my feelings so openly that Zainab, my first nurse and the wife of my closest friend, thought I had lost it. She had not seen me weep before in the 32 years of our professional camaraderie. We visited the [Jenin Camp] as part of a medical aid mission from the Palestinian community in Israel, to offer help to the inhabitants after the horrifying rampage by the Israeli army in April. We worked in the dilapidated UNRWA facility for four hours, during which time I cared for over twenty sick children. As we were leaving, we decided to walk through the rubble of the section of the camp flattened by the Israeli war machine more than a month earlier. I have walked through ruins before and sensed the air of total loss that engulfs the whole space. This time I looked at details: the remnants of a family living room with some of the furniture still in place under the caved-in walls; a plastic flower basket hanging between the iron bars protruding from the half- ceiling; a wheelchair hanging from a fallen balcony (we were told the paraplegic survived his fall); pieces of broken toys, the remnants of a musical string instrument, flattened pots and pans. Here and there a few families sheltered under a blanket strung across four sticks over what used to be their camp home, their supposed refuge away from their original home within Israel. Halfway through our walk I noticed a middle-aged man, thin, unshaven and covered with dust, kneeling inside a shallow ditch he had cleared in the middle of the rubble. The ditch was about two meters long by one wide, and about one meter deep, about the size of a freshly dug grave. The bottom was well-packed solid ground, obviously a part of the original camp ground, and the two sides were the base of concrete walls, one with faded blue paint. I walked closer to him, but he did not notice me. Instead he continued clearing the rubble with his bare hands, totally absorbed by his work and with a very determined look on his face. I greeted him with the traditional “May God give you health,” to which he responded absentmindedly, almost mechanically. He continued shoveling out the dirt, only this time throwing the handfuls in the other direction. He was obviously preoccupied but not distraught. I persisted and inquired about what he was looking for. He turned to me and said sarcastically, “Gold, what else?” Again, I persisted with my question. Then he sighed and looked away with a certain sense of shame. “This is the alley on which my house opened. You are standing where it used to be. This is my neighbor’s home. I just wanted to clean in front of my house.” That did it. I could not hold the grief and sadness anymore. It hit like a bolt and I started sobbing. I crouched down, took my glasses off and tried to dry my eyes. But it would not stop. I kept sobbing and my silent gulping for air became louder. Then I just let go and sobbed loudly, momentarily lapsing into the dark abysmal loneliness I felt when as a teenager I came home to find my mother dead and already buried. I regained control only when two men held me around the shoulders and tried to comfort me. One was the same man digging for gold; the second man, I found out later, was a young man nicknamed Michael Jackson, the now-unemployed leader of the camp’s renowned folkdance troop. They both kept repeating to me one reassuring statement: “We are strong. We will outlive this and overcome the destruction.” As I walked away, I was ashamed of the scene I had made. I noticed a group of foreigners being shown around, a group I discovered that were from Iceland and being guided around by Peter Hansen, the director-general of UNRWA. I introduced myself to him and demanded that the capabilities and unique position of the Arab community inside Israel be factored into any plans for the rehabilitation of this and other camps. He acquiesced, agreeing to focus on the psychological health of the camp’s children, and we set a time for a meeting. On my way home, my newly found unabashedness continued. As I got in my car, which I had left safely in a village outside of Jenin, I saw a housewife baking wheat bread in an outside oven in front of her house. I was hungry and the smell of fresh bread was irresistible. I remembered my mother’s freshly baked bread. A child came out of the house. I offered to give him five shekels for a loaf. He ran to his mother and brought two. As he brought the bread the father showed up and told the child not to accept the money. When I insisted that I had to honor the deal I made with the boy the father got a little upset and half-jokingly threatened to break up my car if I insult him and his child any further. He wanted me to come into the house. I apologized for being in a hurry. I was on my way to my nephew’s engagement party. He went in and brought back a plastic bag with a special homemade delicacy—freshly baked paper-thin bread rolled in ghee and sugar. It was delicious. I ate it as I sped off to the party, getting it all over the white clothes I always wear when on a medical relief mission. People at the engagement party had to excuse my looks. They realized I’d had a rough day at the Jenin Refugee Camp. *** In parallel to its director’s article in The Guardian, B’Tselem has updated its website to include a thorough definition of Apartheid in Hebrew, Arabic and English. Its daring and unflinching assertion has caught the world’s attention and has been widely quoted. It is worth recalling that former USA President, Jimmy Carter, had made the same diagnosis years ago in his 2006 book “Palestine: Peace Not Apartheid”, though he limited his criticism to Israel’s behavior in the Occupied Palestinian Territories. For that, the main stream pro-Israel USA media nearly tarred and feathered him. Last but not least, South Africa, the original home of Apartheid, has long recognized Israel’s policy and practice towards Palestinians as befitting its illegitimate and disowned scion, as the former diplomat and human rights activist Ronnie Kasrils articulated not long ago.